الموقع مفتتح رسميا على شرف أمير منطقة القصيم الأمير الدكتور / فيصل بن مشعل آل سعود

0555565046 [email protected]

المذنب تاريخياً

تعد مدينة المذنب بوابة القصيم الجنوبية ، الفاصلة بين منطقة القصيم وأقليم السر يحدها من الشرق رمال صعافيق ومن الغرب كثبان الشقيقة ، وكان عمران هذه المدينة في منتصف القرن السادس الهجري ولا تزال بعض آثار هذه العمارة باقية حتى الآن كالحجارة المبنية على ضفاف الأودية التي تمر بها السيول القادمة من الخرماء وخريمان ( قاع قمراء ) وهما نسر ومضيفير والودي قال ياقوت أما مذانب الروضة والواحد (مذنب) فكهيئة الجدول يسيل على الروضة ماءها إلي غيرها فيتفرق ماءها فيها والتي يسيل الماء عليها أيضاً مذانب الروضة سوا ، وقد ورد في شعر لبيد بن ربيعة العامري وذكر المذنب كما ينطق به الآن بدون تغيير :

طَرِبَ الفؤاد وليته لم يَطْـرب وعناه ذكـر خلَّةٍ لم تُصْقب
سفهاً ولو أني أطيع عواذلـي فيما يُشيرنَ به بسفح المذْنَب
لَزجْرتُ قلباً لا يريع لزاجـرٍ إنَّ الغَـويَ إذا غـوى لم يُعتب

قال الحفصي : المذنب قرية لبني عامر باليمامة ، وقال الشيخ محمد العبودي لعله يريد بسفح المذنب سفح الجبل المعروف بخرطم وهو يقع إلى الشرق من مدينة المذنب مرتفعاً نوعا مافي تلك الناحية ، أما قوله أنها قرية لبني عامر فلا شك أن الذي حمل على ذلك كونها وردت في شعر لبيد رضي الله عنه وهو عامري ، ولكن هذا لا يدل على أنها في بلاد قومه بني عامر إذا كثيراً ما يذكر الشعراء أماكن ليست في بلاد قومهم ويدل على أن المنطقة التي قرب المذنب كان بعض القدامى يعدها من اليمامة ، أن ياقوت نقل عن أبي السنداء قوله سلى وساجر روضتان باليمامة لبني عكل وهو يريد بذلك ساجر السر الذي لا يزال معروفاً قال شقيق بن جزاء الباهلي رحمه الله :

أقـر العين ما لاقــوا بسلّى وروضة سـاجر ذات العـرار
وقال عمارة بن جرير -رحمه الله– :

ولا يحـل الســـر مـادام مـنهم شريد ولا الخثماء ذات المخارم
ولا ساجر أن يطرحو القوس والعصى ولا عدلهم أو موطؤ بالمناسـم

فلا ينكر أن عد بعضهم المذنب من اليمامة وربما كان ذلك لأن خراجها كان إلى اليمامة في وقت الحفصي وقال ياقوت : أن أصل المذنب هو مسيل الماء بحضيض من الأرض بين تلعتين .كما ورد في تاج العروس أن المذنب هو مسيل الماء في الحضيض ليس بخد واسع ، وقال مؤلفه, الذنائب مسيل ما بين كل تلعتين على التشبيه بذلك ومن المجاز ركب الماء ذنبه الوادي والنهر وفي بعض النسخ آخره وفي التكملة هو الموضع الذي ينتهي إليه سيله ، وقال أبو عبيد الذنابة بالضم ذنب الوادي وغيره آذناب مآخيرها ، وكان ذلك على ذنب الدهر أي في أطرة وجمع ذنابة الوادي ذنائب . 

والمذنب مسيل ما بين التلعتين ويقال المسيل ما بين التلعتين ذنب وفي حديث حذيفة حتى يركبها الله بالملائكة وليمنع ذنب تلعة أو هو مسيل الماء الى الارض والمذنب مسيل في الحضيض ليس بخد واسع وأذناب الأودية ومذانبها أسافلها وفي الصحاح المذنب مسيل ما في الحضيض والتعلة في السند والمذنب الجدول وقال أبو حنيفة كهيئة الجدول يسيل عن الروضة بمائها غيرها فتفرق ماؤها فيها والتي يسيل عليها الماء مذنب أيضاً ، ويوجد بالمذنب ثلاث رياض واسعة يفيض ماءها على بعضها على هيئة مذانب وكل واحد منها ينتهي إلى أذناب الأودية وهي روضة المصية وروضة السفالة وروضة العمر ، يقول الشيخ محمد بن ناصر العبودي عن روضة العمر والتي ينتهي إليها ماء الروضتين السابقتين ( وإذا أطلق أهل المذنب كلمة الروضة فإن ذلك لا ينصرف إلا إليها والظاهر أنها التي بسببها حمل المذنب تسميته تلك إذ المذنب في اللغة هو مسيل الماء إلى الروضة ومنها إلى روضة العمر هذه تتجه جميع السيول التي تمر بمدينة المذنب أو بالقرب منها).
وقد ورد ذكر المذنب كما ينطق بدون تغيير كما ورد ذكره بلفظ التثنية وبلفظ الجمع ، وقد ورد ذكره بالإفراد في شعر بشر الأسدي :
فـأبلغ بـني سـعد ولـن يتقبلوا رسولــي ولكنَّ الحزازة تُنصب
حَلَفْتُ بـرب الداميات نُحُـورها وما ضمَّ أجواز الجـواء ومذنب


وقد ورد ذكره بلفظ التثنية بشعر الطويق بن عاصم النميري :
عرفت لُحـبَّي بين مُنْعرَج اللَّوى وأسفل ذات البان مبدى ومحضـرا
إلى حيث فاض المذنبان وواجها من الرمل ذي الأرطى قواعد عُقرا

فالمذنب مسيل الماء إلى الروضة ، والمذنب يمر به سيول أودية معروفة وهي التي سبق ذكرها ، ومنعرج اللوى منعطف الرمل ويوجد شرق المذنب برقة كأنها كثيب من الرمل منعرج غني بالأشجار ، وقد ورد ذكر منعرج اللوى مقروناً بذكر المذنب بلفظ الجمع :
خَلِيلَيَّ عُوجا مِـنْ بُطُونِ الركائب على طَلَل بيـن اللَّـوى والمذَانِـبِ

كما ورد ذكر مواقع من المذنب بأشعار عديدة منها لوذن الواقع شمال المدينة وهو ماء قديم في بلاد( بني أسد) يقول الشاعر:
أمن أجل دار بين لوذان فالنقا غداة النوى عيناك تبـتدراني

فيا طلحتي لوذان لازال فيكما لمن يبتغي فيـيكمـا فنـناني

وإن كُنتما هيجتما لاعج الهوا ودانيتمـا ماليـس بالمتدانـي

وقال تميم العامري :
وطبـّق لوذان القبائل بعد مــا سقى الجذع من لوذان صفواً وأكرر

ولوذان من الأماكن التي لاتزال تحتفظ بأسمائها القديمة من قبل بزوغ الإسلام ، وقد دخل على بعض الأسماء تغييراً طفيفاً كالتأنيث أو التذكير فقد وردت السلهمية بصيغة التأنيث في شعر النمير قوله :

ومنها بأعْرَاضِ المحاضِــرِ دمْنَهُ ومنهـا بوادي المسلهمة منزل

كما ورد بالتذكير موقع شرق المنطقة وهو من الموارد القديمة وتسمى أم دباب ، يقول الراعي النميري :

كأن هنــداً ثنايـاها وبهجتها لمــا التقينـا على دحال دباب

ومن الممكن القول إن من الأسباب التي أدت إلى قلة ما ورد من ذكر المنطقة في الأشعار القديمة والنصوص التاريخية بعد ظهور الإسلام هو بعدها عن الطرق التى كان يسلكها حجاج اليمامة والعراق إلى الأماكن المقدسة في مكة المكرمة والمدينة المنورة وقد كان لهذه الطرق آثر في أسبقية عمران بعض الأجزاء التي كانت تمر بها منذ القرن الهجري الأول كالأسياح وعيون الجواء والقريتين شرق عنيزة حيث أن مدينة عنيزة ابتدأ عمرانها كما هو معروف في القرن السابع الهجري ، كما كانت هذه الطرق سبباً في كثرة ما ورد من ذكر لأجزاء أخري في القصيم وغيره على الرغم من عدم شهرتها في الوقت الراهن.
وكثيراً هي قصائد شعراء القبائل العربية التي ورد فيها ذكر لبعض الأماكن بالمنطقة وماحولها من البلدان العامرة والدراسة فأثار هؤلاء الشعراء ما زالت خالدة تفيض بالحياة وتجد بها الحكمة والأمثال والغزل البرئ كما أنها لا تخلو من رسم المعالم والطرق والأودية والرمال والموارد والجبال ، وقد جُمع مادوّن عن قبائل هؤلاء الشعراء وعن مآثرهم وايامهم ومراعيهم ومياههم وخصوصاً قبيلة بني أسد التي امتد نفوذها من أراضي الجبلين حتي الأرض الشرقية من هذه المنطقة ، كذلك قبيلة بني مازن الذين كانوا مستوطنين على أرض هذه المنطقة بعد أن احتلوا موارد بني أسد وتقدموا إلى نفود الشقيقة وقد ظل الوضع بينهم وبين بني أسد مضطرباً حتى استقرار الإسلام في الجزيرة العربية
وتوجه كثيراً من رجالهم لخدمة الإسلام ، كما أنني بحثت بقصائد شعراء قبيلة بني هلال التي تعتبر أشهر قبيلة سكنت على أرض هذه المنطقة بعد بزوغ الإسلام وقد سكن المنطقة بعض فروع هذه القبيلة على فترات متفاوتة لكثرة النزاعات بين زعمائها وأكثر هذه الفروع لم يرد بقصائد شعرائها ذكر للمنطقة ، وربما يكون وردت بالأبيات المفقودة من القصيدة التي منها :
وليل بشقراء فاهقين أوشيقر يباغ الصبايـا حليهـن بـزاد
ولـيل بطئ مشملـين النية نبغي ديــاراً بالمساس امراد

وقد ورد ذكر بعض الاماكن بالمنطقة في بعض المقطوعات المتفرقة من أشعارهم التي يظهر بها الحنين الي الديار التي أصابها الجدب ورحلوا عنها وجري لهم أحداث لها جذور تاريخية ومن آثارهم الباقية بالمنطقة آبار المياه كسراء ونفجه والكليبية والوزيرية وبرزة والحفيرة وأكثر هذه الآبار تقع بالسفالة شرق المنطقة يقول شاعرهم :

تارد على بيرٍ به الفين وارد عليها الخشوم النايفات شهود

غربيها يرتع به الريم والمها وشـرقيها ضلعٍ وراه نفـود

ويقصد بالضلع خرطم الذي يشرف على السفالة من الشرق وقال فيها أيضاً :

دار جفت ريضانها شـرد المها ومن المحل مات الغضاء بالنفايد

غارت ماوردها عسى الله يعلها من المزون المرزمات الـرعايد

وقوله :

لي ديرة بين الصريف وخرطم يجي الحول ماتقضي كنايس جرينها

وقال آخر وقد قرن الصريف بخرطم :

تري مدفنة بالرمث بالدمث بالغضا حوالي قويرات الصريف انصاب

وقول أحدهم محدداً موقع كنز في (العدان) جنوب المذنب :

عن مسجد الدغيماء أمام المصلي من المال مايغني جميع القبايل

ومن أشهر الآبار الهلالية بئر الكليبية الواقع بالسفالة وهي أكبر الآبار الموجودة ، وقد سميت بهذا الاسـم نسبة إلى كليب الهلالي الذي قـال فيه جساس:

خـذاك الله خـذني عـن كليب أمير فـي مكانه ولـد أميـرا

فرد عليه المهلهل :

خـذاك الله مـا تسـوى كليب ولا تسـوى خنصره الصغيرا

وكان مهلهل قد لحق بجساس للأخذ بثأر كليب ودارت بينهم حروب حول هضاب واردات شمال سميرا بحائل ، يقول مهلهل :

ولـو ينباح القبر عـن كليـب ويشرف الطرد فـي وادي سميرا

بـأيمن غسل شمالـي واردات بوادي الـدوح تسمع له زحيـرا

وهو يشبه قول مهلهل التغلبي وهي على نفس القافية :

فلـو كُشِفَ المقابـرُ عـن كليبٍ سيعلم بالذنـائب أيـا زيـــرا

وقد خلط الرواه بين الاحداث التي وقعت في زمن الهلاليين كليب وجساس ومهلهل وأحداث كليب ومهلهل التغلبيين التي وقعت في الجاهلية ولشهرة التغلبيين سمو عليهم الهلاليين ، وهذه عادة مألوفة عند العرب ، وقد كان السبب لخلط الأحداث التشابه بالأسماء والقصائد والمواقع التي جرت حروبهم على أرضها وهي واردات فحرب بني هلال نشأت على أرض المذنب وانتهت بواردات سميرا اما التغلبيين ، كما هو معروف تاريخيا فقد ابتدأت بعد طعن جساس لكليب في اراض شبيث , فلهم معارك عديدة بالجاهليه , ومن ايام العرب يوم الذنائب.

و(واردات) جنوب غرب المذنب يقول مهلهل التغلبي :

تركنا جيا يوم ارجف جمعه صريعا بأعلى واردات مجندلا

وبعد حرب البسوس بمائتين سنه تقريبا حدثت وقعه بواردات بين بني كلاب وبين بني نمير الذين هزموا فيها , يقول ناهض الكلابي :

فاشعـل حين حـل بواردات وثــار لوقعــه ثـم انصباب

مراحل النهضة العمرانية

ذكر المؤرخ الشيخ إبراهيم بن عيسى أن قبيلة باهلة كانت تسكن المذنب في القرون الوسطى وهذا يؤكد ما ذكره الشيخ محمد العبودي ، وهو أن عمران المذنب كان بالقرن السادس مستنداً بذلك على بعض الأثار العمرانية القديمة الباقية في عدد من المواضع ، وتعتبر هذه الآثار من بقايا الحضارة الباهلية .

ومن المعروف ان قبيلة باهلة من القبائل التي شاركت في الفتوحات الإسلامية مع قبيلة بني تميم وبكر بن وائل الأزد ، وقد عادت قواتها المحاربة إلى نجد بعكس القبائل الأخرى التي رابطت في تلك البلاد ، وقبيلة باهلة من القبائل العربية التي شيدت الحضارات في بلاد فارس ، فلا يستغرب أن تكون قد عمرت جزءاً من نجد .

ذكر المؤرخ ابن عيسى أن أحد بطون قبيلة باهله استوطن مدينة المذنب في القرون الوسطى وبهذا تكون هذه القبيلة أول من شيد كياناً حضارياً على أرض هذه المنطقة في تلك الفترة التي تعتبر غامضة تماماً إلا من الومضات الضئيلة التي لا تعطي الدلالة المطلوبة ولا تمكننا من معرفة جوانب حياتها والاحداث المتعلقة بها رغم أنها ظلت محافظة على مركزها طيلة تلك القرون ، ولايوجد في كُتب المؤرخين شيئاً من أخبارها وآثارها ولا عن أمرائهاولا شعرائها ولكن بالتأكيد أن لها تاريخاً مجيداً حالها كحال القبائل التي استوطنت نجد.

ومن الأخبار التي تتناقل بالرواية الشفهية لدى كبار السن من أهل المذنب، ما رواه الأمير مساعد بن أحمد السديري عن قصة الحادثة التي وقعت بين السديري والبواهل أمراء المذنب السابقين ومفادها أنه حصل خلاف بين الطرفين جعل سليمان بن حسين السديري يفتك بعدد من أعيان البواهل في كمين أعده لهم وهم في الطريق لمحاربته ، وأنه بعد ما تمكن من هزيمتهم أرسل سرية قامت بضرب الحصار على قصر باهله، وكان الباقون قد تحصنوا فيه، ولما طال الحصار سعى الأمير عبد الله الخريدلي بينهم بالصلح ووفق في ذلك .

كان وجود قبيلة الفضول على أرض هذه المنطقة قد أضفى عليها الهيبة فلم يجرؤا أحد على أن يطأ أرضها محارباً ، وقد ورثت عشيرة الغزي أملاك القبيلة بعد رحيلها ، وهذ العشيرة هي الوحيدة التي تخلفت عن القبيلة الأم عند نزوحها للعراق وقد باع شيوخها أملاكهم على معجل الناصري وأخيه شامخ .

وبعد رحيل عشيرة الغزي .وقعت خلافات شديدة بين امراء عشيرة باهلة وبين السديري أدت هذه الخلافات إلى معارك عدة انتهت بحصار السديري لهم.

لقد كانت أرض هذه المنطقة عامرة برجال هذه العشيرة يزرعون أرضها ويبعلون قيعانها ويعملون لخدمتها حتى باعوا أملاكهم على الخريدل ، ثم انتقلت الإمارة إلى ابنه إبراهيم الذي اتسعى العمران في عهده ، وأصبحت المذنب قرية اكتملت بها مقومات الحضارة وعمل سكانها على تأمين المعيشة لهم ولأولاهم على فلاحة الأرض وزراعتها .

وكان هذا التحول بداية النهضة العمرانية الحقيقية والتي بدأت تتوسع في القرن الحادي عشر ، أما المُلك الذي اشتراه الخريدل فيعتبر نصف المذنب ويتوسطه عدة مزارع للنخيل والذرة تحيط بقصر باهله الكبير ، وهذا القصر يلتف حوله عدة منازل شيدت على ضفاف الوادي .

ذكر المؤرخ إبراهيم بن عيسى (أن خريدل قدم من الفرعة واستوطن المذنب في القرن العاشر في الوقت الذي كان فيه السديري محاصراً للبواهل، فاشترى أملاكهم ) .

أوتوضيحاً لأمورًا مهمة حول هذا الموضوع وهو أن خريدل لم يستوطن المذنب إلا بعد ما أرسل أخيه معجل في طلبه، وكان معجل قد غرس حوطته المعروفة في المذنب وقد وهبه نصفها، وكان ذلك في عام 1139هـ كما ذكر المؤرخ ابن يوسف ، وقد اطلع على تاريخه بخط الشيخ عثمان المنصور الناصري من ضمن مجموعته التاريخية ولم يبدء عليه أي ملحوظات علماً بأن الشيخ عثمان حفيد الأمير منصور بن حمد أمير الفرعة خلال الصراعات التي حدثت بين أهل الفرعة وبين أهل أو شيقر ، وقد رصد المؤرخ ابن يوسف الصراعات حسب تسلسل الأحداث من عام 1126هـ حتى عام 1149هـ وكان معجل أخو خريدل قد استوطن المذنب قبل تلك الصراعات بفترة طويلة لسببين .

السبب الأول أنه أدرك قبيلة الغزي واشترى نصيبها كما هو مثبت في أملاكه .

السبب الثاني هو أن ابن يوسف ذكر في تاريخه في أحداث عام 1135هـ أن إبراهيم بن حسين رحل بأولاده مع ابن عمه خريدل لديرتهم المذنب وقوله ديرتهم المذنب دليل واضح أنهم قد استوطنوها قبل هذا التاريخ الذي رصد فيه هذا الخبر.

ومن الدلائل على أن النواصر استوطنوا المذنب قبل نشوب تلك الأحداث هو وجود عدد من أعيان النواصر بالمذنب قبل فترة من تلك الصراعات ومنهم الشيخ عبد الله بن عضيب الذي قدم المذنب وحفر بئر القفيفة وبنى بها مسجداً ومنزلاًَ وأصبح يدرّس طلبة العلم حتى عام 1111هـ ، كذلك خبر مقتل أخيه عيبان بن عضيب بالمذنب سنة 1121هـ أضف إلى ذلك الوثائق التي كتبها الشيخ عبد الله بن عبيد لأملاك بعض أسر النواصر سنة 1108هـ .

وقد رصد المؤرخ بن يوسف تلك الصراعات التي كان لخريدل دوراً كبيراَ فيها وله مواقف منها مجابهته لآل مشرف عام 1139هـ ، وقد استطاع إخراجهم من الفرعة رغم كثرتهم وشجاعتهم وكان آل مشرف قد استطاعوا فرض سيطرتهم عليها سنة 1135هـ .

كما أن له دورًا فعالاً بالإصلاح بين أهل الفرعة وأهل أوشيقر وإنهاء الصراعات بينهم سنة 1149هـ .

ولعل بروزه في تلك الفترة الحرجة قد ساعدت في إبراز مواهبه حينما تزعم عدد المقاتلين من قبيلته وشارك في أوائل تلك الصراعات، ولعل تلك المواقف التي اتخذها لمساعدة جماعته شجعته على أن يصبح أميراً بالمذنب بعد ما أشترى قصر باهله من أصحابه القدماء كما أن المكانة التي اكتسبها خلال تلك الفترة شجعت الناس على القدوم إليه والإستيطان في بلدته المذنب.

——————————————————————

الأمير إبراهيم الخريدلي

هو الأمير إبراهيم بن عبد الله بن إبراهيم بن عبد الله بن محمد بن حسين الناصري الحارثي العمروي التميمي لُقب والده عبد الله خريدلفورد اسمه بالتواريخ المحلية إبراهيم الخريدلي ، وفي عهد هذا الأمير اتسع العمران وكثرت المزارع ، فقد كان رحمه الله يقطع الأراضي الصالحة للزراعة لكل من رغب بالاستقرار من حوله ، وهذا ما فعله والده وأعمامه من قبله ، وكان لُحسن معاملته وطيبه وكرمه أثر كبير في استقرار الناس من حوله ، وقد وفد إليه عدد من رجال القبائل فأكرمهم ، وفي عهده استوطن مدينة المذنب عدد من الأسر التي تنتمي إلى أشهر القبائل العربية التي انتشرت عشائرها في نجد وملأتها حيوية ونشاط.

وفي عهد الأمير إبراهيم شمل هذه المنطقة نهضة عمرانية ما زالت آثارها ماثلة للعيان ومن الجهات التي عمرت بعهده الثليما ، بنعة ، شيحة ، الحزم ، ومن الأسر التي استطونت المذنب بعهد الخريدلي ، الشويمان ، الشتوي، العقيلي ، الجار الله ، الحصين ، العواد ، الشلال ، الرواف ، آل أبو حسين ،

الشقارا ، الراجح ، الدهيمان ، الدليم ، الفريج ، العبيد ، العمر ، الزاملي ، العبد الجبار ، الحسيني ، المزيد الرشدان ، الزعاب ، الثنيان ، آل بن حسن ، آل بن علي ، آل بن سليمان .

اشتهر الأمير إبراهيم الخريدلي بالشجاعة والكرم ، وكان ينصف المظلوم ويساعد الفقير فأحبه الناس ، وقد أمتدحه عدد من الشعراء ، ومن القصائد التي قيلت فيه هذه القصيدة للشاعر رحيل الدهمشي ومنها :

يا راكب اللي لنتوت تطوي البـيد ما عملـيــة قطع الفيافي مـناهـا

ساقها السانـي بمنح المعوايد عليهـا ولا دنــق الـركاب يرقع حفاهـا

قـــرم مـن خـيـار الأوالـيـد إلا ســـرت غب الفيافي طواهـا

ملفـاك دار كـل يـوم لها عيــد دار النواصـر محتميـــن حماها

نعــم النشاما المكرمين الصناديـد خيولهــم بالكـون تسعل احذاهـا

إلى قوله :

اقلط علـى اللي نايفٍ كنه الحيـد اللي حـما الديـرة وشيـد بناهـا

ساقها السانـي بمنح المعوايد عليها ولا دنــق الـركاب يرقع حفاها

قصر باهله

يعتبر هذا القصر من المعالم الأثرية القديمة وقد وصفه كبار السن نقلاً عن من سبقوهم بأنه كبير وله أفنية واسعة وفيه أبراج منيعة ويحتوي على بئر عذبه ومسجد وبيت للضيافة ، وهذا القصر بناه البواهل عندما كانوا في هذه المدينة وفيه تحصنوا وقتل منهم عدة رجال على أبراجه عندما حاصرهم السديري وامتنعوا فيه، وقد بني هذا القصر على أرض مرتفعة تقسم الوادي إل فرعين الفرع الجنوبي هو الذي عُمَّرِ على سده قصر فهد العقيلي سنة 1308هـ وكان الأهالي في عهد الأمير إبراهيم الخريدلي قد نقلوا إليه تربة طينية من المغيريب لإلغائه تماماً وقد قاموا بعد ردمه ببناء سور صخري على ضفاف الوادي لحماية البلدة في حالة تزايد نسبة المياه ، وهذا ما ساعدهم على التوسع العمراني والحضاري ، ولما توسعت المساحة العمرانية قاموا ببناء سور يحيط بالبلدة ومرافقها الجديدة لضمان حمايتها وهناك عدد من الآثار العمرانية القديمة التي أندثرت وقد ظلت ماثلة للعيان حتى الربع الثاني من القرن الرابع عشر ، وفي عدد من المواضع في المذنب نجد آثار وعلامات واضحة المعالم لحضارة مر عليها طور الاندثار ويدل على ذلك أساسات القصور القديمة وجذوع النخل والحيطان المهدومة إلي جانب الآبار المندثرة بجوها .

ومن أهم المواضع التي عثر فيها على أثر العمران القديم ، العدان ـ قحيصة ولوذان ـ والعوينه ـ ويوجد بين الأكثبة الرملية الواقعة في شرق شمال روضة المصية واحات صخرية يتخللها عروق من الجبس وأساسات منازل مندثرة ولعلها من طرق الحجاج في الأزمنة الماضية ، كما تنتشر الأساسات الجدرانية للمنازل في عدد من الموااضع في الجهة الجنوبية من مدينة المذنب ويتضح من بين تلك الأساسات الممرات التي تفصل تلك البيوت عن بعضها البعض .

الثليما :

ذكر الشيخ محمد العبودي في معجم بلدان القصيم أنه يوجد آثار في غرب الثليما تدل على وجود منازل قديمة كانت هناك .

عين الجرية :

ذكر الشيخ عبد الله الفوزان المشرف على الآثار في المنطقة أنها كانت محطة للحجاج ومستراحاً للمسافرين وقد وجد بها عدد من قطع الفخار والمعادن بالقرب من أساسات الجدران القديمة مما يدل على وجود آثر عمراني قديم نشأ بالقرب من هذه العين التي كان ماؤها متدفقاً ، وهذه العين تقع شمال المذنب .

ومن الآثار الزراعية الأبار التي في روضة السفالة وهي من أهم الأسباب التي سهلت للناس زراعة هذه الروضة الخصبة ، وهي من الأملاك التي اشتراها خريدل من البواهل ، ومن أملاك البواهل الزراعية القديمة القبالي وهي مشهورة وقد حفر بها من أتوا بعدهم عدة آبار اضافة إلى الآبار القديمة التي وجدوها جاهزة لزراعة الأرض التي حولها .

السفالة

روضة زراعية واسعة الأطراف تقع إلى الشرق من قصر باهله ، وقد قام الأهالي بإستثمارها زراعياً منذ القدم ، وفي هذه الروضة آبار هلالية عذبة ذات جمام ، ومن أشهرها الكليبية والوزرية والفراخية ، غصيبة ، وسباعة ، البديع ، البحيرة ، سراء ، نفجة ، الحفيرة ، المكيضيم ، الهرارة ، وقد قام المزارعين قديماً باستخراج المياه منها عن طريق السواني .

وهذه الروضة تنتهي إليها سيول الأودية وتلتقي في جزء منها يسمى المسحب وهذا الجزء هو أذنابها كنهاية لمطاف الجريان فتلتقي فيها وتتجه مجتمعة على شكل وادي كبير يستمر بالسير بمحاذاة جال خرطم وينتهي في ملح العوشزية حيث تتكون هناك بحيرة مالحة ، ويقع إلى الشرق من هذه الروضة سلسلة جبل خرطم وهي ترتفع أحياناً وتنخفض أحياناً أخرى وبين الروضة والسلسلة عدة محاجر تستقر في منخفضاتها ما تبقى من مياه السيول وتشكل غدراناً تنبت على ضفافها نباتات مختلفة ، ويقع إلى الشرق من هذه الروضة جال الخرطم ، ومن الغرب مرقب العيفار ، ومن الجنوب القبالي والحزم ، ويحدها من الجهة الشمالية الحزيم تصغير خزم ، وما بعد هذا الحزم عدة آبار أشهرها جعيلة ، وأم قرون ، حيصة ،مرهش ، الملاح ، سميحة ، قليب العمر ، قليب العلي ، وجميع هذه الآبار ساعدت المزارعين بزراعة تلك الأراضي الخصبة ، وفي مطلع القرن الرابع عشر انتشرت بها تربة سبخة إذ جف ماؤها تبقى زلقة .

يقول أحد شعراء المذنب القدامى وقد ذكر اسم هذ الروضة بصيغة الجمع والجبل الوارد في هذه القصيدة يعني به خرطم :

شـلنا عليهن مـا حصـل والعمايل مـن ديـرة مشهورت بإسـم فيحان

فـيها الجـبل أمــرادفٍ للسـفايل يشرف على الديرة من الشرق نيشان

يا ما بـها مـن ناعمـات الفسايـل تسقـى علـى هجنٍ مرابيع واسمان

ويقول أخر :

لي ديـرتٍ عنها نحــد العايلين مـن دونها تـرخص عمار رجـالها

غربيهـا خـب النعايـم واللـوا وخشـم الـرعـن متربع في جـالها

القبالـي

من أقدم المزارع التي أُنشأت بالمذنب وهي من أملاك البواهل القديمة وقد أحدث بها من أتى بعدهم عدة آبار نشأت من حولها عدة مزارع صغيرة .

والقبالي داخلة من ضمن أملاك القصر التي أشتراها خريدل ، وأرض هذه المزرعة واسعة وخصبة وتقع في الجهة الشمالية من قصر باهله ، ويحدها من الشمال السفالة ومن الغرب الحزم ، ومن الشرق وادي نسر ، ومن الجنوب قصر باهله أما المزارع والآبار التي بالقبالي فهي :

الحتاتية قليب الدهيم ـ أم الجماجم ـ قليب الأصقة ـ قليب الوعرة ـ بئر الشمالي ـ المندسة ـ بئر خرسون ـ القبلية ـ العميشية ـ قليب الحويط ـ الرميحية ـ أم سريرة ـ العودة ـ المشعبية ملك شايع.

وكانت القبالي قديماً كخلية النحل تعج بالفلاحين الذين يتعاونون فيما بينهم في مراحل زراعة الأرض وجني الثمار .

ومن المزارع التي عمرت خلال القرن الحادي عشر :

ـ الحوطة عمرّها أحمد الحصين .

ـ مشرفة عمرّها ناصر العقيلي .

ـ القطيعات عمرّها محمد العتيق .

ـ العليانة عمرّها ناصر الشامخ .

ومن الأملاك التي تقع جنوب قصر باهلة الحوطة وهي مزرعة معجل وإلى جانبها فرحة مزرعة أخيه شامخ ، وتأتي مزرعة أخيهم خريدل من الجهة الجنوبية منها واسمها سمحة ، وجميع هذه المزارع تشرب من ماء العيلمية وهي من الآبار التي اشتراها معجل من الغزي الفضول ، وقد امتدت مزرعة خريدل إلى الجهة الجنوبية وزرع بها نخيلاً ، ومن أملاكه سمحة والرفيعة والجزء الشرقي من الرفايع ومزرعة النهير التي آلت إلى الأمير صالح الخريدلي ولا تزال ملك لذريته.

أما العلاوة وام الحمام فهي مسميات أطلقها أحفادهم لتحديد الملك ، وهي داخلة في ملك معجل ، وقد امتدت عدة مزارع من الجهة الجنوبية من أملاك خريدل وغطت نخيلها مساحات كبيرة ، وهذه الأملاك أحدثها الأوائل من أسرة الشامخ وآل بن علي .

ـ اللصافة أنشأها علي الشايع .

ـ الداخلة عمرها محمد بن حسن في الربع الأول من القرن الثاني عشر .

ومن المزارع التي نشأت في النصف الأول من القرن الثاني عشر(الشورقية) وهي أرض ممتدة بمحاذاة الصفر الواقع شمال المدينة ، وتتكون من رياض خصبة قام بزراعتها فايز بن عبد الله المعجل ، وفي الربع الثاني من القرن الثالث عشر قام ابنه عبد القادر في بيع الجزء الشمالي منها على ناصر الشايـــع ، كما أنه باع نصف الجزء الجنوبي على عبد الكريم الجار الله ، وهذه الاملاك تعرف بشورقية الناصر وشورقية الجار الله . أما الجزء المتبقي فقد ظل ملك له ولأبناء عمه ويقع بين هذا الجزء وشورقية الجار الله قارة مرتفعة بُني فوقها عدة منازل ، ومن أقدم القصور التي شيدت على أرضها قصر الشيخ سليمان الناصر الذي آل إلى الشيخ إبراهيم العجيمي وأبناءه .

ومن الأملاك القديمة أيضاً :

ـ الثليما أنشأها محمد الشويمان في النصف الاخير من القرن الحادي عشر .

ـ نبعة أنشأها شتوي البدراني في الربع الأول من القرن الثاني عشر .

ـ شيحة أنشأها فريح بن زعير السابق في الربع الثاني من القرن الثاني عشر.

ـ روضة العمر أنشأها عبد الرحمن العمر في النصف الأول من القرن الثاني عشر وكان قدومه إليها من سدير ، ومن آثارها قصر مرهش ويوجد بها عدة آبار منها سمحة والملاح .

ـ عين بن شامخ أنشأها فهد الشامخ وأخيه علي وباعوها على عبد الله العقيلي الذي عمرها هو وأباؤه وهي معروفة الآن بعين العقيل.

ـ العودة أنشأها عبد الله بن خضير في منتصف القرن الثاني عشر.

ـ المندسة أنشأها عبد الله بن خضير في منتصف القرن الثاني عشر .

ـ المشعبية أنشأها علي بن خضير في منتصف القرن الثاني عشر .

ـ الحزم أنشئ بها عدة مزارع في الربع الأول من القرن الثاني عشر ،

ومن أقدم الأملاك فيه مزرعة محمد بن خضير وإبراهيم بن نيف الشمري .

ـ الصباخ أنشأها منصور العلي الوهيد في الربع الثاني من القرن الثاني عشر .

ـ الطويلعة أنشأها محمد العقيلي في الربع الأخير من القرن الثالث عشر .

ـ الجراية أنشأها محمد بن سعود المجماج في النصف الأول من القرن الثاني عشر.

وقد تلت هذه المزارع مزارع عديدة منها الهيشة ، الشويمانية ، المعقلية ، السعدية، السحق ، النقيب ، الزيدية ، الطوقي ، المفيض ، المربع ، الجراية ، السلهمية ، اللواف ، المدفعية ، أم الخشب ، أم عشيرة .

وقد نشأت عدة مزارع في مواضع بعيدة عن قصر باهله ، وكان ذلك خلال القرن الثالث عشر ومن هذه المزارع مفيض أم الخشب ، التي عمرها غنايم الضفيري وأبناءه من بعده ، وهذا المفيض يمر به وادي المذنب القادم من السفالة وهو حصيلة مياه الأودية ، كما يجتمع بهذا المفيض عدة أودية مثل السهل ولوذان وأبو غار وصميان ، ويقع هذا المفيض الذي يعرف الآن مفيض أم الخشب في الشمال الشرقي من المذنب ، شرق أبو خشبة ويحده من الشمال ملح العوشزية ومن الشرق سلسة جبل خرطم ، يوجد في هذا المفيض عدة آبار قديمة مثل ضيفة ، والشعاعية ، والتويجرية ونقيثة .

ومن المزارع التي نشأت في مطلع القرن الثاني عشر المعجلية وتقع جنوب شرق المذنب وإلى الشرق من روضة المصية ، ويحدها من الشرق كثيب رملي مرتفع

وممتد على طول مساحتها وخلف هذا الكثيب واحات نخيل ومورد قديم تحيط به الرمال من كل الجهات .

———————

المصدر: صفحات مطويـة من تاريخ المذنب.تأليف:خالد بن دحيم الحسياني

راسلنــا